نوازع الخير والشر
يختلف العلماء في تحليلهم للنفس البشرية؛ فعلم النفس يدرس النفس وتكويناتها المختلفة وتأثيرها على سلوكنا، وعلم الاجتماع يدرس المجتمع بتكويناته البشرية، وما يهمنا هو أن الإنسان يتكون من النفس التي يعتقد البعض أنها الروح والجسد والعقل والقلب. وهذه المكونات تميزنا عن باقي المخلوقات التي بها روح. النفس تحتوي على النوازع البشرية من خير وشر، والتحكم في النوازع وظيفة العقل، والنفس إما أن تكون أمارة بالسوء أو ميالة للخير. والنفس البشرية تحمل الصفتين معاً، ونحن من يقوم بتهذيبها إذا ما كان العقل مدركاً لدوره البناء.
الشر نزعة إنسانية تهاجمنا ولا تخلو النفس منه، والفرق هو التمادي وتغليب الشر على الخير. ولعلنا نتذكر قول الخالق جل وتعالى: "كل نفس بما كسبت رهينة"، وهذه الآية توضح دور العقل في كبح جماح النفس وتوجيهها ومسؤولية الفرد نحو الشر والخير، حيث هي خيارات نحن نملكها.
احتار الكثيرون في فهم القلب، وما إذا كان مجرد عضو مثله مثل باقي أعضاء جسم الإنسان، لكن الآية الكريمة تقول: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، أي أن للقلب دورا في الاستقبال والتحسس للسلوك، لكن لا نعرف ما إذا كان يخزن الأحاسيس أم لا!
وكثير من المفاهيم قد تكون معقدة، لكن لعل التشبيه الأنسب هو أن النفس والجسد مثلهما مثل الصندوق الأسود الذي يخزن كل المعلومات.
وعندما نتأمل الإنسان، تسيطر علينا الحيرة في فهم سر هذا المخلوق وقوة ترابط أجزائه، فالجسد يستجيب عن طريق الحواس، سواء الخارجية أم الداخلية، ويقوم بالاستجابة المناسبة وفق ما هو مخزن في الذاكرة أو ما نطلق عليه الموجات الكهرومغناطيسية التي يستجيب لها الدماغ. والنفس البشرية في هذا المشهد تتفاعل مع المؤثرات، وهي تحس، ومن هنا قد تحزن أو تفرح أو تشعر بالطمأنينة... وتظهر التعابير عن ذلك على الوجه.
ويرى بعض العلماء أن الذاكرة موزعة بين القلب والنفس، خصوصاً بأن للقلب مكونا من موصلات عصبية في غاية التعقيد تعمل بمعزل عن الأعصاب المخية.
وعندما يصاب المرء بمرض عضال تتفاوت الاستجابة؛ فالبعض يتصدى للمرض بقوة وإرادة ويستطيع أن يشفى نفسه، والبعض الآخر تصاب نفسه بهزال وتضعف ومن ثم يقتحم المرض كل خلايا جسده فيصاب بالضعف والإنهاك. فالنفس المؤمنة والقوية تقوى على مواجهة الواقع وتتمكن من هزيمة الألم، وهذا ما يفسر لنا ميل البعض نحو التفاؤل والبعض الآخر نحو التشاؤم، وهذا النوع الأخير يسير حياته حيث الطاقة السلبية هي المسؤولة في مثل هذه الحالات.
النفس تكل وتتعب عندما نرهقها بتناقضاتنا السلوكية، ويغيب الانسجام عنها، والبعض منا لا يعبأ أو لا يشعر بضخامة التناقضات التي يقوم بها في كل يوم، خصوصاً هؤلاء الذين يظهرون بمظهر الخير بينما هم يضمرون الشر ويدبرونه للمحيطين بهم، وهم في مثل هذه المواقف يعرضون نفوسهم للألم الخفي. وكثير من هؤلاء يكونون محكومين بخبرات سابقة أثرت عليهم وأطّرت سلوكهم؛ فهم أصحاب نفوس مريضة ومضطربة، تغيب عنها البهجة الداخلية وتفتقر لراحة الانسجام.
نحن كبشر، خليط من الشر والخير، والعقل هو المهذب للسلوك، ونتعرض لمواقف مؤلمة من البعض، وقد لا نتحلى بالصراحة فنخفي الألم الذي تسبب به البعض، ومن ثم نفكر في رغبة الانتقام والثأر وهي رغبة شريرة مدمرة للنفس حيث تمثل رؤية الانتقام فرحة، بينما هو مرض يؤكد الرغبة في التشفي.
علينا أن لا نشغل البال بهذه النوعية من الناس وأن ندعهم ينعمون بمؤامراتهم، وكل ما علينا هو أن نحصن أنفسنا بنوازع الخير لأن من يضمر الشر سيعود إليه.